بقلم الطالبة : شفاء محمد ناصر
في الثاني عشر من آذآر في سنة 1882 ولد ايثان
في أندورا تحديدا بين قمم البرانس الشهيرة التي توجد في فرنسا و ترعرع بين ستة إخوة
و هو أوسطهم. كان هذا الصبي منذ نشأته و هو يتمتع بفكر واسع و عقل مزهر مما جعلة دائما
يتفكر و يتأمل بما حوله, و كان يهوى القراءة لطالما كان مهموكا بها فهو من أولئك
الذين تدفعهم الحياة نحو رغبات جديدة فلا يطيق الأمور العادية فلطالما كان يسعى
دوما نحو الاكتشاف و السعي قدمًا. في ليلة ممطرة و مظلمة تباينت بها أصوات الرعد و
نغمات الكمان، و بين تلك الجبال الراسية استحالت ايثان مشاعر غريبة فكانت كاليأس و
الضجر مشوبةً ببعضٍ من الرغبة الشديدة في الغدو و كأنها حرب داخلية و صراع فجزء
منه فارغ , و الجزء الآخر يشع تفاؤلًا و حماسًا للسفر و اكتشاف ذاته و عالمه فبعد هذا
الصراع الذي طال في قلبه، و اشتد في تلك الليلة قرر و أخيًرا السفر من بحت رغبته
لبقعة بعيدة من بقاع الأرض و كانت الوجهة إلى بلاد التاريخ و الأساطير إلى بلاد
الحضارات التي كانت و ما زالت تلك الأرض التي تشغلها الحيوية و الناس الفريدين من
نوعهم إنها( مصر العظيمة). بالطبع ستكون رحلة شاقة و مكلفة عليه و لكن ما إن فكر
بذلك الأمر حتى تذكر ما قال له جده : "نحن البشر يا بني ننقسم لفريقين فريق
يضع أهداف و يصوبها فعلا و فريق آخر يجعل من أهدافه اضحوكة للحياة " فلم تكن
توجد وسيلة غير أنه يجب عليه شراء عربة و أحصنة ليشق طريقه من فرنسا إلى إسبانيا و
التي هي على مقربة من منطقته أندورا الفرنسية فهي تبعد حوالي عدة امتار فقط و بعد
ذلك مرورا بمضيق جبل طارق عبر السفينة حتى يبلغ إفريقيا. بيد أن ايثان سيعيش
بمواقف عدة في هذه الرحلة و قريبا ستشربه الحياة عصير المرارة التي عصرته لنا
جميعا و لكن حين يأتي الوقت المناسب , لنرى .
خطط
ايثان للرحلة و خلق العديد و العديد من الأحداث و المحاورات في ذهنه عما سيتلقاه .
حان الوقت و جاءت تلك اللحظة التي سيترك بها وطنه و أهله الذين هلَت دموعهم لتكون في
داخله بحر دموع جعل منه متحيرا بين اكمال السباحة و النجاة من اليأس المميت أم
الغرق فيه إنه امر و شعور تآلف عليه جميع البشر و لكنه قصير و سيمر مهما لزم الأمر.
حزم أمتعته من عدة و زاد و ما إلى ذلك و
من ثم ودع أهله و أحبابه , فصهلت الأحصنة و بدأت المغامرة .
في غضون أربعة أيام وصل ايثان إلى المغرب و
عند لحظة وصوله أخذ نفسا عميقًا من نسائم المغرب و بدأ في السير , حتى دخل في صميم
المدينة تحديدا "مكناس" حيث يصدر منها الضجيج و الحركة و الأسواق و
تنافس التجار و السلع المتنوعة و تزاحم الناس بين الممرات ظل يمشي و هو فقط على
اطلاع مسبق في الكتب عن المغرب و لكنه الان عن كثب فيجب عليه أن يتدبر الأمر
الواقع . دخل أحد المتاجر حتى يشتري بعضا من الملابس تقمصا في المغاربة فارتدى الجلابة و كانت بيضاء
و قطنية فشعر بأريحية أكثر من البنطال و راح شاكرا لحسن تعامل البائع المغربي معه.
بدأت معدته تصدر أصواتا فرأى ازدحام عند مطعم
يقوم بإعداد اطباق عديدة فقرر الدخول و سأل
العامل هناك بالفرنسية لأنه حتمًا لا يجيد التحدث بالعربية حتى الآن
_Quels aliments avez-vous ?ما الأطعمة التي توجد لديكم ؟
_ ماذا تقول ؟
فترجم أحد الجالسين للعامل و طلب ايثان طبق
الكسكس الشهير.
و في خروجه من المطعم نادى به ذلك الرجل الذي
ترجم له :
_يا صاحبي تعال الى هنا
_اوه نعم
و كان شعور في داخله بسعادة لوجوده لأحد يتفهمه.
_ما اسمك ؟
_ايثان , و انت ؟
_ نوردين
_اسم فريد من نوعه
_ما الذي جاء بك إلى هنا ؟
_ضجرت من حياتي المعتادة و أريد اكتشاف نفسي
و اكتشاف ما حولي و قريبا سأبلغ مصر
_رائع, آمل ان تحقق مبتغاك
_عرفني بنفسك يا نوردين , هل أنت فرنسي و أتيت
للمكوث هنا ؟
_ لا لا , في الحقيقة انا ولدت من قبل اب
فرنسي-مغربي و من أم مغربية الأصل و تربيت هنا .
_سررت بلقائك اذا
_و انا أيضا
من ثم قررا الذهاب الى المقهى و جلسا و طلبا
القهوة و كان يبدو فيه الرجال يدخنون النارجيلة و ظلا يتبادلان أطراف الحديث حتى
الليل و من ثم دعا نوردين ايثان للسبات في منزله هذه الليله لان الوقت كان متأخر .
و في صباح اليوم التالي استيقظا في الصباح
الباكر فأدى نوردين صلاة الفجر و رتل بعضا من سور القرآن الكريم و كان صوته شجي ممَا
لامس روح ايثان بالرغم من انه لم يفهم شيئا لأنها ليست لغته العربية فظل ايثان يتأمله
في صمت عميق. و عند انتهائه قال له نوردين
_ألن تقم لتصلي ؟
_عذرا إنني لست مسلما
أمطيا مطيتهما للذهاب الى المدينة للعمل .شمرا
ساعديهما و بدأ كل منهما في العمل و الرفع و الحط للحجارة فكان هذا هو عمل نوردين البناء
و هذا يتطلب قوة و جهد و بنية كبنية نوردين فكان مكتنز العضل اما ايثان فلم يكن
جدا لأنه لم يعتاد على ذلك فانتابه التعب و لكنه سيواكب الامر مع مرور الأيام.
حل وقت العصر و بدت السماء جميلة بلونها
البرتقالي الذي يجلب لك النعاس فجلسا على الصخرة يرتاحان قليلا و شربا الماء من
الجرة المحاذيه منهما , و في منتصف هذا السكون أخرج نوردين من حقيبته كتاب
_ايثان لا بد أنك ستحتاجه
_ما هذا الكتاب؟
_ إنه كتاب يرجع الى أبي , حين كان يافعا كان
متشوقا لتعلم اللغة العربية و بالفعل تعلمها و بطلاقة و لأنه الآن لم يعد بحاجة إليه
أخبرني بأن أعطيك إياه.
_شكرا جزيلا لك إنه فعلا كتاب قيِم , هذا ما
كنت أحتاجه حقًا.
و بدأ نوردين يعلمه نطق الحروف العربية و
بالتأكيد واجه صعوبه في نطقها . و أخذ يردد ورائه حرفاً حرفًا .
مرت ألايام و الشهورو بعد مكوث طال سنتتين
كاملتين , و الذي فيهما تعرف على صديقه نوردين الذي لطالما خرَجه في علوم اللغة حتى
أجاد بها من كل النواحي قراءة و كتابة و فهما و لا سيما علوم الفلسفة التي كانت محط
اهتمام ايثان، و اعتاد على اهل القرية و كل من فيها و كأنه في هذه السنتان ولد من
جديد .
و لكن كل هذا لم يعد كل شيء بالنسبة إليه لم
يشعر حتى الآن بذلك السلام الداخلي حتى الآن يريد بلوغ مصر و لكن المغرب سحرته
بأجوائها الجميلة و من ناحية أخرى اشتاق لأبويه و إخوته فماذا يصنع . ظل في حيرة
من أمره و شكا ذلك لصديقه نوردين فقال له ناصحا: إذا سلكت طريقا فأكملها , و لم
يطل كثيرا معه في الحديث .
بعد شهر من التفكير العميق و بعدما اتخذ
ايثان في قرارة نفسه أنه سيبلغ مصر مهما حدث , استعد في صباح اليوم التالي و حزم
امتعته و كتبه و ربطها في المطيَة و قبل رحيله ودع أهل القرية و صديقه و أعطاه
وصية في حال لم يعد بعد أربعة سنوات و احتضنه و عينا صديقه كانت ممتلئة بالدموع لرحيله
و انطلق ايثان يجوب في الصحراء الشاسعة .
إنها رحلة جدا طويلة فاعتقل لما لا يقل عن ثلاثة
أسابيع من قبل قبيلة من الغجر , و شهد حروبًا شهدت كانت بين القبائل ,وواجه العديد
من تقلبات الطقوس المعذبة تارةً برد قارس يدخل في جوف عظامه , و تارة حر شديد
تجعله يصب عرقا و في ظمأ دائم .و لكنه صبر و تحمل كل ما واجهه إلى أن وجد نفسه
فعلا في مصر. فارتابه شعور جميل و كان في سعادة غامرة لما قام به و حققه.
مرورًا من الإسكندرية و الجيزة و القاهرة
وصولا للإسماعيلية . فلحسن حظه أنه مكث في المغرب و تعلم العربية و كأنها كونت له حاجز
أمان تحسبا من ظن الناس بأنه من طلائع الاستعمار الغربي أو ما شابه . فمصر و
كعادتها الضجيج لا يخلوا من شوارعها و المطيَة في كل مكان من جمال و أحصنة و
الحفلات من هنا و الأطفال يلعبون من هناك و الرجال يروحون و يجيئون و هم مرتديين تلك
الكوفيات و العقال .
و عند وصوله إلى هناك التقى بصاحب صاحبه
المغربي نوردين الذي أخبره عنه نوردين قبل ذهابه لمصر و كان اسمه حسام . كان
يتشابه بصفات نوردين في الاخلاق و الكرم فلم يشعر كثيرا بالغربة معه. عرفه على كل
تفاصيل المدينة و عرفه على بعضٍ من أصحابه و أخويه الأثنين ، و من ثم دعاه لوجبة
الغداء مع أهله و من ثم أخذ يعرف عن نفسه و أخبرهم برحلته و قصته و إنه فرنسي
الأصل و مكث في المغرب فقاطعه حسام في منتصف حديثة وقال:
_و لماذا كنت مصرًا على السفر
_رحله ابحث عنها عن السلام الداخلي ، و أيضا لاكتشاف
العالم
_و لماذا تحديدًا مصر ؟
_قرأت الكثير عنها في الكتب و المجلات و كنت
طموحًا لبلوغها ، و ها أنا ذا .
من ثم حلت صلاة الظهر فراح حسام و أهله
ليصلون في المسجد و لحظة سماعه للأذان من كل المساجد لحظة واحدة شعر و كأنه بلا
روح وبلا جسد فقط بأذن يستمع إليها ، نسي
كل شيء في عالمه . كان متأثرًا جدًا بصوت الأذان و سار إلى المسجد ثم جلس يستمع و
يتأمل بالعصافير التي تحلق حول المأذنة إلى أن انتهت الصلاة .
حلَ الليل و أوى إلى فراشه و لكن دون أن تغمض
له عين فامتد عليه الليل بطوله و هو يفكر فخطر له خاطر غريب نهض من فراشه و راح
للمسجد و أخذ القرآن و ظلَ يقرأه حتى طلوع الفجر و بعد قرائته وجد في القرآن كلمات
الإعجاز فلم يستطع أو يتجرأ على اكتشاف أي شيء خاطئ منه فوجد به كل ما هو يحتاجه و
أدرك أنه هو الدين الحق الدين الذي لطالما لامس قلبه فوجد به شيئًا جوهريًا لا
مثيل له.
في صباح اليوم التالي اتجه نحو حسام و أخبره
بكل شيء حدث له في الليلة الماضية و أنه تأثر جدًا بالدين الإسلامي و قد تعلم أمور
بسيطة من نوردين أيضًا عند مشاهدته فاجتمع بعض من رجال الدين و معه حسام و نطق
أخيرًا ايثان لنطق الشهادتين و كانت من أجمل لحظات حياته فتغلغل الإيمان ووصل إلى
سويداء قلبه فهذا هو إكسير الإيمان الذي ينقل الأشخاص من حال إلى حال . و من ثم
عند انتهائه ، تعلم الصلاة و كانت أول صلاة صلاها هي العصر و حين سجوده أحس بدفء
عم في قلبه و أنه تقرب من ربه إحساس تعجز اللسان عن وصفه. فكانت تلك الأيام عامرة
لديه بالسعادة و الصفاء الروحي و كأنه وجد إكسير الحياة بالرغم من أن الإسلام لا
يقارن به حتى.
و المفاجئة الرائعة أن ايثان آسفة أعني عبدالرحيم قد افتتح جمعية إسلامية تتضمن العديد من الرجال الصالحين الذين شاركوه في هذا النوع من الأمر العظيم عند الله و أُطلق عليها اسم "جمعية الرسالة الإسلامية" كانت أيضا لهداية الغير المسلمين و من هو مطلع على ذلك .و أُزيدَكم من الشعر بيتًا فلم تكن في مصر فقط بل حتى في فرنسا أقام بافتتاحها سنة1925 و قد دخل كمُ هائل من الفرنسيين و المصريين الغير-المسلمين إلى الإسلام . و أصبح أحد اهم الداعية في الإسلام فقد قام بالعديد من الخطابات و الحملات حول ذلك . لا أنت ولا هو كان يعتقد أنه سيصل يومًا إلى هذا المستوى . فهكذا كانت رحلة اكتشاف ذاته المذهلة.
جميييل جدا ♡♡
ردحذفابداع شفاء ♡
Amazing 💓🤍
ردحذف💯💯
ردحذف